إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 9 نوفمبر 2018

قراءة في رواية البحّار لهاشم غرايبة

قراءة في رواية البحّار لهاشم غرايبة
عبد الكريم أبو الشيح

      رواية البحّار...هي روايةٌ من الصعب مناقشتُها والإحاطةُ بجميع جوانبها في جلسة أو جلسات..وتأتي هذه الصعوبة من أنها روايةٌ قروئية ..أي قابلة لتعدد القراءات ..فهي تتجاوز المساحة المكانية التي شغلتها عبر بياض  صفحاتها ، لتنفتح على فضاءات أوسع وأرحب .. فضاءات بمقدار ما فيها من الغواية واللذة /لذة النص بمقدار ما فيها من المراوغة والانفلات من ربقة التعيين أو التحديد.
     وهذا الانفتاح جعل فضاءها أرحبَ بكثير من مساحتها المكانيّة (عدد صفحاتها) .وأكثرَ تعقيداً وتشابكاً، وما حقّق للرواية هذه الرحابة ..والقروئيّة ..هي تقنيّات السرد المختلفة والمتنوعة التي  وظفها الكاتب بحذق وبراعة، وأشير إلى واحدة منها أراها الأهم هي أسلوب التناص (التعالق النصيّ)، وسيأتي الحديث عنها.
    والذي أردته من الإشارة إلى قروئيّة الرواية ،هو أنّ القارئ للرواية (وهنا أعني القارئ ذا المنهج ) يستطيع أن يتناولها نقاشاً وتحليلا بأكثرَ من زاوية .. فيمكن النظرُ إليها على أنّها رواية وجودية ثيمتها الرئيسة الإنسان في علاقته مع العالم ..أو هي رواية سيسيولوجية تعاين طبيعة المجتمع في جميع مستوياته المنتجة له كمجتمعٍ ذي سمات مميزة له..وربما تتناولها كرواية سياسيّة ، أو إن شئت من الجانب النفسي ..وهي واقعيّة كذلك أو لنقل (واقعيّة اشتراكيّة)...ومن هنا مبعث الصعوبة في التعامل مع هذه الرواية ،ومن هنا أجدني مضطراً لتناول جوانب من الرواية على شكل إضاءاتٍ، مُحاوراً الرواية ذاتها كحياة  مستقلة ومن غير إسقاط أو تصوّر منهجيّ مسبق .
     وستتناول هذه القراءة ثلاثة مستويات في الرواية هي مستوى العتبات (عتبات النص) ، ومن ثمّ تنتقل لمتن الرواية حيث ننتناولها من زاويةِ أنّها الرواية/السِّيرة  ثُمّ أخيراً تناقش هذه لقراءة بعض الجوانب الفنية التي كان لها فاعلية في البناء السردي .
1ــ العتبات : عتبات النص: عادة ما تمنحنا عتباتُ النص رؤيةً و زاداً نلج بهما المتن ولو بقليل من الطمأنينة و(يقصد " بالعتبات " مجموعة العلامات أو الدلالات التي تعد بمثابة مداخل تسبق المتن النصي ، ولا يكون له دلالة مكتملة إلا بها ، ومن هذه العتبات بالإضافة إلى غلاف الرواية : العنوان الرئيس ، الإهداء ، والعناوين الداخلية للفصول ، والمقدمة ، وكل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب : كالصورة المصاحبة للغلاف ، وكلمة الناشر على ظهر الغلاف ، وكلها عناصر توجه قراءة النصوص الأدبية ، وتسهم بدور كبير في إثراء وتأويل المتلقي لها ، ) سمير عبد الرحيم آغا /الحوار المتمدن /العدد3351 .


....وفي هذه الرواية ــ البحّار ــ ثلاثُ عتباتٍ نلقي الضوء عليها  تفضي بنا إلى المتن /النص ــ ولن نناقش عناوين الفصول على أهميتهاـــ:
** العتبة الأولى :
في رواية البحّار نقف قليلا لنحاور العنوان ودلالاته كونه العتبةَ الأولى لفهم النص (إذ هو على حدّ تعبير الناقد محمد مفتاح   المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه، وهو الذي يحدد هوية الرواية فهو إن صحت المشابهة- بمثابة الرأس للجسد)، ــ محمد مفتاح : دينامية النص،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1 ، 1987، 60ص:
  إنّ هذا العنوان /العتبة ينفتح أول ما ينفتح في ذهن القاري على ربّان السفينة وما يقرّ فيه من صفات أهّلته لحمل هذا اللقب ،أمّا هذه الصفات فهي الرجولة والفطنة والصبر والقدرة على مواجهة تقلبات البحر ومصارعة أمواجه والمغامرة لتحقيق هدفٍ يسعى إليه ،إضافةً لعلاقاته بالنساء ، فللبحّار في كلّ ميناء عشيقة. ....إذن فالعنوان /العتبة الأولى تشي بأننا سنقرأ أو قل سنرى مغامراتِ بحّار يصارع ويواجه في سبيل تحقيق هدف ما ،كما سنطالع أسرار علاقاته مع نساء الميناء ...فهل هذا ما وجدناه
نعم فسليم الناجي بطل هذه الرواية قد تحلّى بكلّ هذه الصفات وإنْ كان البحر الذي يخوضه مواجها ومصارعا له بكل رجولة أوسعَ مدىً وأعمقَ غوراً وأظلمَ لجّاً من أيّ بحرٍ آخر وحتى من بحر (سعيد حزوم في (حكاية بحّار) لحنة مينة) ...إن سليم الناجي يخوض بحر الحياة بكلّ تقلباته وتحولّاته .. ..بكلّ تناقضاته وتشابكاته ،ويواجه العالم بكل دناءتهِ...وقد كان له  حيثما نزل امرأة ....ألا يُعدُّ بعد كلّ ذلك بحّاراً.
العتبة الثانية:
الإهداء :وهنا يتدخل الكاتب ويلقي لنا بعضاً من الضوء على سليم الناجي حيث يراه (مجرد شخصية بسيطة عاديّة معلقة في الفضاء، شديدة العبثية ،والرقّة ، قد تبدو رمزا لقدرة الإنسان على الحياة ) فهل سنرى ما رآه الكاتب في سليم الناجي ؟؟...ثمّ  هل من دلالة أرادها الكاتب من كون الإهداء للحفيد ... ،ــ كما أرى ــ ربّما أنّه أراد أن يقدّم للأجيال القادمة أنموذجا قادرا على الحياة بلا خوف ... ومقدّرا لها حقّ قدرها (أعني الحياة).

العتبة الثالثة :
هي عنوان قصيدة للشاعر الفرنسي جاك يريفير أضاف له كاتبنا نصفه وهو ( كي أرسم طائرا ..أصير ذلك الطائر) ( عنوان قصيدة الشاعر في الأصل هو ــ كي ترسم طائرا ــ )وما تشي به هذه العتبة هو أنّ الكاتب هاشم غرايبة قد صار البحّار ،فكلّ منهما كان مسكونا بالآخر/متلبساً به ....وجاء تأييدا لهذا الرأي ما نشره في فيسبوك بتاريخ 21/7 (أيها البحار عندما أكتبك أصغي إلى نبضك، حتى لو لم تقل ولا كلمة فاني أمتلئ بالكلمات عقلي تحت تصرفك أيها البحار. لا أفكر إلا فيك أشعر أني جزء منك، فأسال نفسي إن كان ما أكتبه يخصك أم يخصني؟
من هو البحار يا ترى أنت أم أنا؟ عندما سلمت مخطوطك للناشر شعرت باكتئاب وفقْد)
  ومن خلال هذه العتبات نستطيع أنْ نلج الرواية وقد حملنا مصباحاً نتحسّس به ما أثّثت به من تفاصيل..فالعتبات قد عدّها النقاد نصوصاً موازية للنص /المتن خصوصا العنوان إذ يحمل كثافة دلالية تكاد أو هي تختزل النص في طيّات حروفها، وهو من أهمّ العلامات الهادية للمتلقي.

من العتبات إلى المتن:    من الصعوبة أنْ يدعيَ المرءُ أنّه بوريقاتٍ معدوداتٍ يستطيع أنْ يجوب فضاءات البحّار ويعرف أو يدرك أسرارَها ولذلك فإنّي سأتناولها من زاويةِ أنها الرّواية /السيرة  وسأكتفي بإلقاء الضوء على جوانب منها .
1ــ الرواية/السيرة
   في هذه الرواية (البحّار) التي أرادها سليم الناجي سيرةً لحياته الشخصية كتب سيرة مدينته (الرمثا ) خلال ما يقارب المئة عام بكل تفاصيلها وتحوّلاتها كما وثّق لمرحلة مهمّة وخطيرة  من مراحل حياة هذه الأمة ،وهي مرحلة التحوّلات والصراعات في بنية الأمة وتشكّل وعيها الراهن. لذلك أجدني مضطراً للحديث عن كلّ سيرة من هذه السير حديثا منفصلاً ليسهل التعامل معه. وبذات الوقت موجزاً مقتضباً
1ــ1ــ سليم الناجي : ينفتح وعي سليم الناجي على ذاته في (الرنزانة 104) ، عندما كان يكتب اعترافاته للمحقق  104 ،حيث وجد نفسه أو تكامل مع سليم الناجي الغائر في أعماقه وهو يذوب في فضاء الورقة ــ على حدّ تعبير رولان بارت ــ  (كانت زنزانتي واسعة زعشت فيها سبعا وسبعين سنة رسمتها على هواي .... هناك ولدتُ من جديد ) الرواية ص131 ..لذلك قرّر أن يكتب رواية عن حياته.
    سارت حياة سليم الناجي بين خطين متقابلين هما غريزة الحياة (الآيروس)والتي تعلّق بها وعضّ عليها بنواجذه ، وغريزة الموت (ثاناتوس)، التي كان يهرب منها ويقاومها بكل ما أوتي من قوة وحيلة...
فكان الفقر والجوع والجهل وطائر الشوحة  جميعُها تمثّلاتٍ للموت تطارده ، فقرّر الانفلات منها والالتصاق بالحياة... بالمال ، فقرّ في نفس الطفل أنه يريد أن يكون (زنقيلا) الأمر الذي جعل المعلمَ يعاقبهُ عندما سأل الطلاب عن المهنة التي يختارونها في المستقبل ..عاقبه لأن كلمة زنقيل ليست مهنة كما عليه أن يقول ثرياً ص66 ...لكنّ الطفل سليم رغم حرقة العقاب..ردّد في نفسه سأصير (زنقيلاُ).. ــ وهنا برأيي بدأت الشخصية الأسطوريّة  لسليم الناجي بالتشكل ــ ثم بعد سنين يكرّر هذا القول لحبيبته (بترا) في ألمانيا ، فهو ما زال محركاً له وهدفا يسعى إليه....ثم نراه متعلقا شغوفاً بالمرأة ،فهذا البحّار لا يترك أرضا يطأها إلا ويصنع فيها خليلة أوعشيقة وهذا ربما لما تمثله المرأة من أمن وسكينة ومن طبيعة العلاقة التي أراها شكلاً من أشكال مقاومة الفناء / طائر الشوحة  ..ثم نرى نهمه بالمعرفة ومطالعة الكتب بثلاث لغات  وأثر ذلك في في النهاية في تشكيل وعيه بتنامٍ مطرد مع تحصيلها ممّا جعله أكثر إدراكاً لعلاقته بالعالم ولما يريده منه ..(والمعرفة تزيل الخوف /مثل انجليزي)..   فهل هناك التصاق بالحياة أكثر من هذا ؟...المال وما يحققه من متعة ...والمرأة ...والمعرفة...ماذا تبقّى؟
  ولأنّه في حالة هروب  من الموت ؛من الجهل والمسغبة والمتربة فقد قرّر السفر إلى ألمانيا ويؤكّد الكاتب ذلك من خلال فتح فضاء روايته على رواية أخرى تتعلق بالهجرة للغرب وهو الإحالة النصية لرواية (موسم الهجرة للشمال) للطيب صالح وبطلها مصطفى السعيد ، ففي حين ذهب مصطفى السعيد لبريطانيا غازياُ (سأغزوهم في عقر دارهم) على حدّ تعبيره في الرواية ، ذهب سليم الناجي هارباً من الموت باحثا عن الحياة . ورغم اختلاف البطلين في الهدف وطرائق الوصول إليه ، إلّا أنّهما اتفقا في أنّ كلاً منهما تحمّل مسؤولية فعله ...وهناك مفارقة أخرى فبطل الطيب صالح فيلسوف درس الفلسفة ودرّسها في حين أن سليم الناجي كما جاء على لسانه (بما أنني لستُ فيلسوفاُ فإنني أفكر بالعالم من خلال مغامراتي الخاصة)/الفصل الثالث ص 32 أي من خلال علاقته بالعالم وتشابكه معه وهنا فورا تقفز لذهن المتلقي شخصية زوربا اليوناني بطل رواية الكاتب نيكوس كازانتزاكيس الذي اكتسب معارفه من مدرسة الحياة .

ولأنّه ــ سليم الناجي ــ أدرك أهمية المال مبكراً ..منذ بدأ يحلم أن يصبح ك(عطوان النادر)ص66 ، فقد انطلقت روح البحّار فيه فاستغل عمله في القاعدة الأمريكية براتب كبير ..راتب لا يُرضي روح البحّار المغامرة المقامرة ..والتواقة ...فهرّب المخدرات لجنود القاعدة ،الأمر الذي تسبّب بطرده،
واللالفت في الأمر حين برّر طرده بسبب موقفه من دخول الإسرائليين لبيروت؟ وهذا التبرير بهذه الطريقة ربما يتيح لنا أن نرى وعيّا وطنيا وقوميّا كامناً في ذاته وإن لم يظهر على السطح ؛أي أن يتحول لسلوك.... ثُم تسوقه روح البحّار المغامر أنْ يجوب العالم  ..صالاتِ قماره ..نواديه الليليّة ..نسائه....
   و كلما ازداد وعيُه بالعالم ومعرفتُه بخباياه  إزداد إيماناً بدناءته ..ولكنّه حيٌّ لا يخاف ؛سيواجه العالم بروح مقامر مغامر ...وهذا ما أكدته الرواية  سواءٌ أكان ذلك من خلال التعالق النصيّ/التناص مع رواية (الساعة الخامسة والعشرون) وما فيه من إدانة لهذا العالم الدنيء كذلك فلم (وول – ي) هذا الفلم الذي يريد الناجي تغيير نهايته السعيدة لنهاية تعيسة تتناسب مع معطيات الواقع المعيش.
    ولحظة التحوّل في شخصية سليم الناجي تجلّت في الزنزانة104 بسبب التحاق حفيده أحمد بداعش، يطلب منه المحقق 104 أن يكتب كل ما يعرفه منذ ولدته أمّه ويعطيه الورق والقلم لذلك..في الزنزانة تبدأ تفيض نفس سليم الناجي بأسلوب آسر بأشياء وأحداث وآراء لم يكن يعلم أنها كامنة متخفية فيه لكنّه يدرك أثناء الكتابة (أنّ كلَّ ما فكرتُ به ..كلَّ ما عشتهُ موجودٌ أصلاً مثل حبر في القلم)ص8...هنا يلتقي الداخل بالخارج ليولد وجودياً سليم الناجي كاتب الرواية حيث شهوة الكتابة.. شهوة أن يطيّر العصافير التي تزقزق في رأسه.ص5

2ــ 1ــ الرمثا : تعدُّ هذه الرواية من بعض زوايا النظر إليها من (أدب المكان) حيث استطاع هاشم غرايبة أو قل سليم الناجي إذا شئت أن يوثّق ويكتب بأسلوبه الفنيّ الباهر سيرة مدينته حيث صوّر المكان بأدق تفاصيله كما صور يوميّات أهله ..طعامَهم ،علاقاتِهم ، ألآمهم..أحلامهم..  فقد استطاع ومن خلال شبكة العلاقات بين شخوص الرواية التي تحركت بكلّ حريّة لتصنع بناء دراميّا فذاً يمثّل طبيعة الحياة في هذه المدينة الحدودية وما يفرضه هذا الموقع الجغرافي عليها من نمط حياتي.
   فرغم أنها كانت تعتمد في جلّها على الزراعة إلا أنها كانت منفذاً تجاريا لأهلها خصوصا مع سوريا وما نشأ عنه من حركة تهريب ...وفيما بعد تجاوز أهلها ذلك إلى ألمانيا ومعظم دول أوروبا .
     وقد وثّق الكاتب لحالة الوعي التي ربما كانت الرمثا سابقة لكثير من أخواتها المدن الأردنية فيها، وربما كان لموقعها الجغرافي أثر في ذلك ..ورغم أنّ شخوص الرواية من نسيج الخيال كما أشار المولّف إلا أنّ مواصفات الشخوص وسماتهم أعرفها ونعرفها جميعاً هي شخوص رمثاويّة .. مَن منّا لم يعرف سليم الناجي ..أو ابراهيم برغل ...أو خولا الهبلا...ذاكرة المدينة...
ولم يصرح الكاتب إلا بشخصين حقيقيين بأسمائهما وهذا أعدّه من باب الذكاء الفنّيّ مما يُحسب للكاتب ، وأيضا هو من باب المصداقية في التوثيق لدور هذه المدينة ووعيها  السياسي والنضالي في سبيل التحرر ورفعة هذه الأمّة  ..لكي لا تعدّ هذه الأحداث المرتبطة بهما من باب التخييل الروائي لذلك شاء أنْ يوثّق بتواريخ الأحداث...أما الشخصان فهما فواز البركات ويوسف الهربيد (أبو معارف)    
ـــ كما انفتحت الرواية على الأمة فسلّط الكاتب الضوء على مفاصلَ مهمّةٍ كانت تشكل تحوّلات خطيرة  في حياتها في القرن الماضي..وقد كان ذلك بلفتات ذكيّة من خلال دور أبناء الرمثا في المشاركة في النضال العربي فعوض الناجي شارك بثورة (الحاج أمين الحسيني 1936 ..كما شارك فواز البركات وبالتأكيد معه آخرون ضد الأتراك 1917 وضد الفرنسيين سنة 1925 وطرد  البدو سنة 1920 ثمّ وقوف الرمثا بقيادة الشاب ابن العشرين يوسف الهربيد ضد حلف بغداد سنة 1956 ..ناهيك عن الإشارات لسقوط بغداد ودخول لبنان و......

2ــ** فنيّاً:
ــ من حيث اللغة : تلفتك الرواية بشعريتها /شعرية السرد (شعرية الرواية)،وهنا لا أقصد اللغة الشعرية التي هي من سمات الشعر، بل ما قصدته بشعرية الرواية هو قدرة شخوصها على التفاعل والتحرُّك في فضاء الرواية وبنائها الدرامي ، وهذا ما أشرت إليه بحرية الشخوص في سياق سابق، فجاءت اللغة صادقة فنيّا بحيث شكّلت مرآة لوعي الشخصية وموقعها الاجتماعي..وحالتها النفسية .
ــ كثافة اللغة : تبدّت كثافة اللغة من خلال ثقل المحمولات الدلاليّة لها ،إذ نجد اللغة  في سياقاتها منفتحة على ظلال وإيحاءات قادرة على إيصال المتلقي للحالة المعنيّة بها وبالتالي للّذة /لذة النص ..ومن أهمّ ما اتبعه الكاتب لتكثيف اللغة هو التعالقات النصيّة (التناص) بأشكالها المختلفة فتعالَق مع أعمال أدبية( (الإنسان ذو البعد الواحد) لهربرت ماركوز،(موسم الهجرة للشمال) الطيب صالح،و فلم (وول-ي )وفلم (جرواند هغ داي/يوم فأر الأرض) ورواية (الساعة الخامسة والعشرون) لقسطنطين جورجيو،ومع ملحمة جلجامش حينما تشبّه بأنكيدو،وجميع هذه الأعمال تتقاطع في أنها إدانة لهذا العالم (الدنيء)،  كما تعالق نصياً مع موّال من التراث(يا من يرد الحمل لكان مايل) ومع الغناء ومع القرآن الكريم مما جعل الرواية تتجاوز مساحتها المكانية كما أسلفتُ عبر صفحاتها إلى فضاءات أرحب وأوسع، كما أعطاها سمة القروئية أي أنّها قابلة لقراءات متعددة .
    
ــ ومن تقنيات الكتابة اللافتة في الراواية استخدام الكاتب لأسلوب المقابلة الذي وُظّف في الرواية بحذق ومهارة لجلاء وتأكيد المضامين وتعميق إيحاءاتها من خلال أضدادها وقد ظهرت هذه التقنية من بداية الرواية واستمّرت حتى نهايتها..انظر علاقة الصراع الخالدة السلطة/الشعب كيف تجلّت في أول الرواية حيث يجلس سليم الناجي على رصيف شارع الشعب مقابل مبنى المخابرات، وبعد قليل يخبرنا الناجي  بإنّ شارع الشعب لا شعب فيه بل هي السيارات وزواميرها ..هل من دلالة ؟ بالتأكيد ....تشيؤ الإنسان واحتلاله من الآلة ...الرصيف مقابل الشارع....كما نجد المقابلة تجلّت بشكل لافت في البناء الهرمي القرميدي ...قاعدة الهرم بمقابل رأسه ...أنها الحياة كما يراها الناجي.
ــ التبئير: في كل رواية نجد بؤرة أو بؤَر تشكّل مصدرا إشعاعيا ينعكس في سيرورة الحدث في القصة بحيث تجد نفسك بحاجة لإعادة القراءة حسبما زودتك به هذه البؤرة من فهم،حيث هذه البؤرة /البؤر تمنح النص طاقة تأويلية ...ربما متجددة  ،وهناك عبارتان أراهما تشكلان  بؤرتين مركزيتين في الرواية هما"
ــ العبارة الأولى :ما جاء على لسان سليم الناجي (الإناء الفارغ يسهل ملؤه) وهذه العبارة أراها بمثابة الضرب على الجدران لينّتبه كلّ من له علاقة في إعداد الشباب إلى حجم الخطر الكامن في إهمالهم. وفي ذات الوقت أراها تحمل إدانة للراهن العربي أنظمة ومؤسساتٍ تربويةً وإعلامية وأسريّة ...إدانةً وإنذاراً لنا جميعا
ــ العبارة الثانية  وهي التي كانت إرهاصا بتغيّر حياة سليم الناجي (بدأت الغلاية بإطلاق صفير منحرف المزاج) وهذه العبارة المفصلية في حياة سليم الناجي حيث تحقق نذيرُ الغلاية بخبر التحاق أحمد بداعش، هو  كذلك (أعني صفير الغلاية)نذير لنا بتحوّل العالم إلى آلة دمويّة تستبيح حتى الحلم فينا...تصيّرنا أشياءَ أو سلعاً.
بعد كل ذلك يبقى السؤال الذي ورد في العتبة الثانية معلّقاً برسم الإجابة ..هل نوافق الكاتب أنّ سليم الناجي عبثيُّ ؟ ......................................!!!   

** هذه القراءة كانت في حفل توقيع رواية هاشم غرايبة (البحّار) في الرمثا.

#رواية بحّار #الرمثا #هاشم غرايبة #عبد الكريم أبو الشيح  #دراسة

الأربعاء، 2 مايو 2018

حكاية:( من ديوان مدارات التأويل)


حكاية:
تقولُ الحكايةُ:
إنَّ فتاةً
تربّتْ على كفِّ سنلةٍ في الحقولْ
تطوفُ
تلمُّ إليها العصافيرَ في  كلَّ صبحٍ
تلقّنها ما تيسّر من سيرة الماءِ
ترنيمةً ثم ترسلُها في الفصولْ
تُقطّرُ في أذن تمّوزَ اهزوجةَ العطرِ
عـلّ تموزَ يصحو
فيصحو على كفّهِ موسمٌ للغِناءِ
ونايٌ
يؤمُّ الغيومَ
قرابينَ للحقلِ مَهرَ الفتاةِ التربّتْ
على كفّ سنبلةٍ من حنينْ..

تقول الحكايةُ:
لكنّ تمّوزَ لما أفاقَ أضاع الطريقَ
وراحَ يهيم على وجهه في شعاب السنينْ
يغنّي
يُفيضُ على نايهِ  مُفرداً ما بهِ من أنينْ
لعلّ سماءً تضيءُ لعينيهِ درباً يقود إليهْ
لعلّ الحبيبةَ تكملُ غزل التبقّى
مِن الحلمِ قبل اكتهال الحنينْ ......
ويسمعُهُ بعضُ سيّارةٍ  في الطريقْ
فيومي إليهم :
لأيِّ الجهاتِ تسيرونْ ..
خذوني ...
فكل الجهات جهاتي
وكلّ الجهاتِ إليَّ ..
إليها تقودُ
تقودُ إلى أول الدائرة..
التأويل:
ستتعبُ قبل الوصول إليكَ..إليها  
 وعند الوصولِ
ستغمض في راحتيها عيونَكَ
تُلقي حمولةَ عمرٍ من الشوقِ... 
تُرخي الحبيبةُ فيك زهور الحنينْ

#مدارات التأويل #عبد الكريم أبو الشيح

من أجواء أمسية وافتتاح المقر الجديد للجمعية العربية للفكر والثقافة





مهرجان الشعر العربي الذي أقامه ملتقى الرمثا الثقافي 2018













السبت، 21 أبريل 2018

قصيدة لماذا للشاعر عبد الكريم أبو الشيح.wmv

أمسية ملتقى المفرق الثاني للشعر /الشاعر عبد الكريم أبو الشيح /صورة شخصية

عبد الكريم أبو الشيح في أمسية ...بيت الشعر في الشارقة ..

هذا جمالكِ ...عبد الكريم أبو الشيح..مهرجان ملتقى الرمثا الشعري

تشطير قصيدة ابن الفارض أخفي الهوى