إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

المجذاف/د.نزار بريك هنيدي

المجذاف


             د.نزار بريك هنيدي




-1-

لا يَترُكُ المجذافَ..

عَيناهُ على الأفقِ البَعيدِ،

و قلبُهُ يَتَصَيَّدُ الأقمارَ،

حينَ تطلُّ مِنْ شرفاتها

مفتونةً،

بالزورقِ المَحْمولِ فوقَ مناكبِ الأمواجِ،

في عرسِ الرحيلْ.

أحزانُهُ نُدَفً يُبَعْثِرُها رفيفٌ غامضٌ،

و رؤاهُ أسرابً تحوّمُ

في فضاءاتِ الذهولْ.

كلماتُهُ ترعى إشاراتِ المَدى

و تعبُّ مِنْ قَطْرِ الندى

لترشَّ أهدابَ الفصولْ .

-2-

لا يتركُ المجذافَ..

يَعْبثُ بالرَذاذِ و بالزمانِ،

يُعاكِسُ التيّارَ و الأحلامَ،

يَلهو بانكسارِ الضوءِ و الرغباتِ،

يَحتضِنُ اْنفجاراتِ الكواكبِ و المشاعرِ،

يَحتفي

بأشعّةِ الشمسِ التي تفضي إليهِ بسرّ نشوتِها

إذا اْستلقتْ

على جَسَدِ الأصيلْ.

يَحنو على نَجمٍ هَوى مِنْ بُرْجِهِ،

فتلقَّفتهُ حمامةٌ بجناحها

حتّى استكانَ،

فراحَ يَلْهَجُ بالهَديلْ.

و يذوبُ وَجْداً،

إنْ رأى بَرْقاً يُراوِدُ غَيْمَةً عَنْ نفسِها،

حتى تفيضَ،

فتغمرُ الدنيا بأفراحِ الهطولْ.

و يطيرُ خلفَ نوارسٍ،

سَئِمَتْ رتابةَ عالمِ الشطآنِ،

فانطَلَقتْ

تفتّشُ

عَنْ بديلْ.

    -3-

لا يَترُكُ المجذافَ

كانَ بوسْعِهِ أن يَسْتكينَ إلى الهدوءِ،

و أنْ يُرَوّضَ روحَهُ،

كي تستطيعَ العَيْشَ في دِعَةٍ،

و كانَ بوسعهِ،

منذُ البدايةِ،

أن يُهَيّءَ نفسَهُ للنومِ في قبرِ السهولْ.

لكنّهُ اختارَ الحياةَ،

و لا حياةَ

إذا تقمّصَ جلدَ حَرْباءٍ،

و رأسَ نعامةٍ،

و ارتاحَ في ظلّ النخيلْ.

-4-

منذ البدايةِ كانَ في أعماقِهِ

مهرٌ جَموحٌ

لا يكفٌّ عَنِ الصَهيلْ.

و فراشةٌ حَمْقاءُ

لا تهوى سوى لَمْحِ الجَمالِ،

و لو تخبَّأ في جفونِ المستحيلْ.

و بَراعِمٌ تزهو

بأنَّ يَفاعَها الأبديَّ،

لا يَخشى النوائبَ،

أو يُهَدّدُهُ ذبولْ.

و جرارُ أحلامٍ،

إذا اْنسَكَبَتْ على الجَوزاءِ،

أغرقتِ المَجَرَّةَ

بالسيولْ .

-5-

منذُ البدايةِ كانَ يَعرفُ أنَّهُ

مِنْ نسلِ ريحٍ ،

لا يَقرَّ لها مقامٌ،

أو تحدّدُها تخومٌ،

أو تسيرُ على دليلْ.

لا يَنتمي

إلاّ إلى النورِ الذي يَتخلَّلُ الأشياءَ،

يكشفُ سرَّ جَوْهَرِها النبيلْ.

أقرانُهُ :

البحر الذي لا يَعْتريهِ الضيقُ،

و النارُ التي لا تستضيءُ

بغيرِ وَهْجِ فؤادِها،

و الليلُ

حينَ يَضمُّ أضدادَ الوَرى

في ثوبِهِ الداجي الجَليلْ.

-6-

منذُ البدايةِ

كانَ يَبحثُ عَنْ سَبيلْ،

ليقولَ ما يَحيا

و يَحيا ما يَقولْ.

فاستلَّ مجذافَ الكلامِ،

مِنَ الصدى

و مِنَ الركامِ،

و راحَ يُبْحِرُ في شرايينِ الوجودِ

مُيّمّماً

شَطْرَ الأصولْ.

-7-

لَنْ يَتركَ المجذافَ

ما زالت دروبُ حياتِهِ حبلى.

فكيفَ يَغيبُ عَنها

أو

يُغَيّبُها،

إذا

بَهَرَتهُ أنوارُ الوصول ؟ !








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق