الميتافيزقيا وعلاقتها بالدين
بداية لا بد من التعريف بالميتافيزيقا من حيث المصطلح والنشأة لما لهما من أهمية في موضوع البحث،فالميتافيزيقيا من حيث المصطلح :هي فرع من فروع الفلسفة التي تبحث في المبادئ الأولية للعالم، وحقيقة العلوم. وتنقسم اهتمامات الميتافيزيقا إلى دراسة طبيعة الوجود، وتفسير الظواهر الأساسية في الطبيعة، ومستويات الوجود، وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينها. كما تختص بدراسة الكون ونشأته ومكوناته. هذا بالإضافة إلى دراسة التصورات التي يتمثل بها الإنسان رؤيته للكون بما فيه الوجود.
أما من حيث النشأة: فقد ظهرت كلمة ميتافيزيقا من الكلمة الإغريقية (Meta) التي تعني (ما وراء أو ما بعد) وكلمة (Physika) وتعني (الطبيعة). وتشير الكلمة إلى العلوم المختلفة عن الطبيعة والمادة في كتابات أرسطو في العصور القديمة. وكان المقصود بكلمة (Meta) الإشارة إلى الفصول التي تلي مادياً الفصول التي كتبها أرسطو في الفيزياء في المجموعة المحررة بعد وفاته. حتى أن أرسطو نفسه لم يطلق لفظ الميتافيزيقا على هذه الأعمال. بل أن أرسطو قد أطلق لفظاً مغايراً لهذه الأعمال وهو (الفلسفة الأولى). ومن هنا كانت الكلمة (الميتافيزقيا )لا تشير إلى التصنيف بل إلي الترتيب، كما أنها تدل على الطابع الفلسفي الذي احتوت عليه هذه المؤلفات مما أوجد الخلط بين الفلسفة والميتافيزيقا .إنّ علاقة الميتافيزيقيا بالدين علاقة لصيقة ،فهي قديمة قِدم الدين نفسه ،وإن لم تظهر كنمط في النشاط الذهني لدى الإنسان ،إلا أنها ظهرت في أنشطة وسلوكات أخرى أهمها السلوك الفني خصوصا الشعر في محاولة لتفسير فني ربما لمظاهر الوجود وكيفية إيجادها .
ومع أبحاث المعلم الأول أرسطو يكون قد بدأ البحث الفلسفي الميتافيزيقي بالتشكل حتى أنه ظل المنارة التي يهتدي بها الفلاسفة حتى عصر النهض،فأرسطو يرى أن هناك إلهاً ،وهذا الإله هو المحرك الأول وهو مصدر الحركة وهو من وجهة نظر أرسطو كائن معنوي لا ماديّ،غير مرئي،ولا مكان له،لا مذكر ولا مؤنث،ولا يتغير أو يتأثر،تام وأبديّ.وإن الله لا يحرك العالم كقوة ميكانيكية ولكن محرك كليّلجميع عمليات العالم ،كما يرى أرسطو أن الله هو السبب النهائي للطبيعة،والقوة الدافعة للأشياء وهدفها،أنه صورة العالم ومبدأ حياته (1)
ومن أرسطو إلى عصر النهضة الأوروبية حيث نشطت الدراسات الفلسفية في هذا المجال على أختلاف اتجاهاتها فسبينوزا الذي يرى أن الله وسير الطبيعة أمر واحد ويقصد بذلك أن قوانين الطبيعة العامة وأوامر الله شيء واحد،كما يرى (أن حكمة الله الخالدة ...قد تجلت في جميع الأشياء وبوجه خاص في عقل الإنسان...)(2).
أما جان جاك روسو فهو يرى (أنه على الرغم من أن العقل يتجه إتجاهاً معادياً للإيمان بالله والدين والخلود،فإن شعورنا يؤيدها تأييداً كبيراً،لماذا لا نثق إذاً بشعورنا الغطري هنا ...)(3).
وأما الرجل الذي نال شهرة واسعة في هذه البحوث فهو (كانت)،الذي يرى أن الدين لا يجوز أن يقوم على أساس منطق العقل النظري .ويجب أن يقوم على أساس العقل العملي للشعور الأخلاقي (4)
وقد تغيرت الوضعية بعد (كانت) في الفترة بين القرن 18 والقرن 20 حيث أصبح الحديث عن الله يدخل في إطار النسيبة واللاعلمي والشخصي العقائدي الذي لا يهم إلا صاحبه، وليس له أي وزن فلسفي. وعلى الرغم من كل هذا فقد كانت هناك استثناءات في الاستمرار على البرهنة على وجود الله عند ممثلي الاتجاه الأرسطي الذي وجد مكانا في الكنيسة المسيحية باستثناء البروتسطان واليهود إلى حدود القرن 20، بدأ اتجاه رفض البراهين العقلية لوجود الله ينتشر في الفلسفة.
والعامل الأساسي الذي أدى إلى هذا التحول هو نقد (كانت) لكل براهين وجود الله. وفكرة (كانت) التي مفادها أن مضمون المعرفة غير تابع لظروف المعرفة (ظروف تحصيل المعرفة)، وأن مضمون هذه المعرفة غير محدد من طرف الموضوع وإدراكه، قد قادت إلى فكرة أن الله لم يعثر عليه مسبقا نفسيا، ولا يمكن الاعتراف به ككائن مطلق، ولا يمكن الاعتراف به كأصل لكل الأشياء وككل متناه وكعالم بكل الأشياء، بل إن فكرة الله هي من صنع العقل الإنساني وحتى إن كانت فكرة(كانت) هذه كافية وحدها للقضاء على قوة براهين وجود الله ،وقد انتشرت انتقادات (كانت) هذه في كل مكان، على الرغم من أنه حاول في فرضيته الأخلاقية الموضوعية ترك المكان للاعتقاد بالله على حد تعبيره ساري المفعول.
والعامل الأساسي الذي أدى إلى هذا التحول هو نقد (كانت) لكل براهين وجود الله. وفكرة (كانت) التي مفادها أن مضمون المعرفة غير تابع لظروف المعرفة (ظروف تحصيل المعرفة)، وأن مضمون هذه المعرفة غير محدد من طرف الموضوع وإدراكه، قد قادت إلى فكرة أن الله لم يعثر عليه مسبقا نفسيا، ولا يمكن الاعتراف به ككائن مطلق، ولا يمكن الاعتراف به كأصل لكل الأشياء وككل متناه وكعالم بكل الأشياء، بل إن فكرة الله هي من صنع العقل الإنساني وحتى إن كانت فكرة(كانت) هذه كافية وحدها للقضاء على قوة براهين وجود الله ،وقد انتشرت انتقادات (كانت) هذه في كل مكان، على الرغم من أنه حاول في فرضيته الأخلاقية الموضوعية ترك المكان للاعتقاد بالله على حد تعبيره ساري المفعول.
ومن هنا نرى أن الميتافيزيقا مصطلح يشير إلى المعرفة الأساسية بالموجود بوصفه موجوداً في كليته، كما أنها تبحث في الفكر والوجود والمطلق بالإضافة إلى اهتمامها بالنواحي الخارجة عن إطار الحس والمشاهدة المادية والتي لها القدرة على ترك بصماتها على الثقافة المجتمعية وخلق مفاهيم ومعتقدات تؤثر على العادات والأعراف السائدة للمجتمعات. وترتبط الميتافيزيقا بالذاكرة الجماعية للشعوب من خلال الأديان والأنظمة العقائدية. والأساطير المقدسة والوقائع التي حدثت في الماضي السحيق في زمن البدايات وغالباً ما تحكي واقعاً أو خيالاً، وهي تفرض نفسها على معتنقيها من خلال نسق كامل من المعتقدات يتم توارثه عبر الأجيال بطريقين الأول بشكل إرادي واع نتيجة للتأثير الذي يمارسه كل جيل على أفراده بواسطة التعليم والتربية والثاني بشكل تلقائي لا إرادي ولا واع وهو ما أسماه محمد حسين دكروب الذاكرة الجماعية والتي يؤكد أنها هي الأساس الرابط للمجتمع فهي تعمل على تحديد مجمل البنى التشكيلية كأنساق ثقافية لا واعية تعطي دلالة ومعنى لما هو أسطوري أو تاريخي أو واقع في حياة الشعوب. إنها تعطي القواعد المنظمة للعلاقات الاجتماعية والثقافية بشكل معين مستمد مما تختزنه الذاكرة الجماعية من ماضيها السحيق من بنية وجودها التاريخية اللاواعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ قصة الفلسفة :وِلْ ديورانت ص 113
2ـ المرجع السابق ص 206
3ـ المرجع السابق ص 325
4ـ المرجع السابق ص 361
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق