أزمة الشعر العربي المعاصر/حوار نشرته جريدة الحياة


حوار أجراه الشاعر والصحافي عبد الهادي صالح مع الشاعر عبد
الكريم أبو الشيح بتاريخ30/3/2010
ج : بداية حول سؤالك: هل الشعر يمرُّ بأزمة حقيقية ؟ فإنني
أستطيع القول أننا مهما حاولنا أن نكون متفائلين لا ننكر أن الشعر العربي يمرُّ
بأزمة حقيقية ..ولا أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من الحوارات التي تتمحور حول
ذات المسألة ، سواء اعترفت بالأزمة أو أنكرتها.
وفي رأيي أن أزمة الشعر العربي هي أزمة الإنسان العربي
ذاتها ، بكل قلقها وتشظيها
،وأرى أنّ هذه الأزمة لها مستويان
عامّان؛مستوى الشعر في ذاته ومستوى الشعر في علاقته مع المتلقي ،وهما متداخلان يؤثر
كل منهما بالآخر ،وإن كان أثر الأول في الثاني أكبر .
أما الأزمة على المستوى الأول فهي أزمة باتت تتعلق ــ
أكثر مما مضى ــ بفهمنا لجوهر الشعر وقيمته وطبيعته،حيث أرى أنّ قيمته تكمن في ذاته
كشعر، وهو في هذا يختلف عن أيّ خطاب لغوي آخر، ففي حين تكون اللغة في أي خطاب لغوي
عبارة عن ملاقط للأفكار ،ودوالّ على الموضوعات والمواقف، يكون الشعر هو لغته،ليست
العبرة فيه لما يقدم من مواقف حياتية بل للطريقة التي يقدمها بها .
وفي حين نجد شعراء قدّموا تجارب شعرية أصيلة وغنية ،
وشعراء كباراً قدموا شعراً عظيماً من مثل محمود درويش ،أدونيس ،سليم بركات،وأسماء
كثيرة كان للإعلام دور كبير في غيابها ، نجد هناك الكثير من الشعراء الذين اضطربوا
في فهمهم لطبيعة الشعر ، وما يريدونه منه ،فراحوا بدعوى التجريب أحيانا(وهنا فلا
أحد ينكر حق التجريب والتجاوز ولكنه التجريب المـُستند إلى بنية ثقافية معرفية ووعي
أصيل حقيقي بالتجارب الإبداعية ) أو بالانسياق الخاطئ لمفاهيمَ كالغموض أو معاينة
المـُعاش (التبسيط والاستسهال) يكتبون نصوصا منغلقة على ذاتها .. مُشظـّاة .. لا
يمكن لمتلق ٍ أن يفك طلاسمها (ولا حتى صاحبها) …. أما من رأى أن على الشعر معاينة
الواقع المـُعاش فقد كتب بطريقة شبة تأريخية تسجيلية مباشرة لما هو يومي ..طريقةٍ
ليس فيها ما يُسمّى شعراً أو حتى شعرية ….ناهيك عن الأعداد الهائلة التي انتهكت
الشعر ،وادّعت عليه أنها من كتـّابه ،عبر الكثير من مواقع الانترنت وكثير من الصحف
الورقية .
أما المستوى الثاني الذي هو الشعر ـــ المتلقي ،فلا
ننكر أثر المتغيرات الحياتية في كل مستوياتها عليه ،إذ تراجع دور الشعر خصوصا
(والفن عموماً) لصالح التلفزة ،والانترنت ، وكثير ٍ من الأنماط الاستهلاكية التي لا
تحتاج من المتلقي إعمال ذهن أو كدٍّ في التفكير والتأويل. ومع ذلك فإنني أرى أن على
الشعراء أيضاً مسؤولية كبيرة في صرف المتلقي عن الشعر بما يقدمون له من نماذج غير
قادرة على شدّ ه لها،سواءٌ بسبب الإبهام أو المباشرة كما أسلفت.
كما أن للصحافة دوراً ليس بالهيّن هنا ،حيث النقد الصحافي
السريع أو المتسرع،الذي قد يكون (وغالبا ما يكون) لصالح النص المتواضع على حساب
النص الجيد .
وهنا لا بد من وجود النقاد المحترفين …لأنهم هم
الصَّرّاف(على حد تعبير خلف الأحمر) هم الصراف القادر على كشف العملة الزائفة من
الصحيحة.
أما عن سؤالك حول تحول عدد من الشعراء إلى كتابة
الرواية في الآونة الأخيرة
فلن أجيبك بأن هذا هو زمن الرواية ،فهذا كلام قيل منذ
الثمانينيات ،علماً بأنه وعبر الأزمنة الأدبية المختلفة ،كان هناك من يكتب النثر
الفني، ويكتب الشعر في ذات الوقت ،أما إن قصدت هجر الشعر إلى النثر، فلا أعتقد أن
شاعرا ..وُلِد شاعراً بقادر على ذلك ،إلا أن اكتسى نثرهُ بشعريته ،كما في نثر أحلام
مستغانمي مثلا ،علما بأنها لم تهجر الشعر . وعلى كل حال ،فربما يرى البعض أن
الرواية أسرع وصولا للمتلقي ،أو هي أكثر قدرة على إيصال رسالته لجمهوره ..
ربما…
ختاماً فإن هذا الزمن وكلّ زمن هو زمن الشعر إذ الشعر
حياة …والشعر ضرورة ولأنه كذلك فلسوف يخرج من رحم أزمته شعراءُ قادرون على أن
يصنعوا كونهم الشعري المنسجم مع مرحلتهم بكل متغيراتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق